الثلاثاء، 18 يناير 2011

«الرياض» السعودية تحصـد جائـزة أفضـل صحيفة عربية للعام 2010


لم تكن صحيفة «الرياض» وهي تهم بتعيين أول امرأة في منصب مدير تحرير، تعرف أن قدرها سيقودها ليوم تكون فيه في مقدمة الصحف العربية. ذلك القدر اجتهد المؤسسون في صنعه في العام 1965م، ليصوغ تفاصيل التفرد فيه جيل آخر من محترفي العمل الصحافي يتقدمهم الصحافي تركي السديري. وها هي ثمار الاجتهاد طوال تلك العقود تجنى اليوم.
فـ«الرياض» أول صحيفة سعودية يومية صادرة باللغة العربية هي أول صحيفة تؤسس قسماً نسائيا بين الصحف السعودية في العام 1980، وأول مطبوعة سعودية تحقق نسبة 100% في سعودة وظائف التحرير، واليوم هي تصنع الصدارة عابرة على جرح تراجع الإنفاق الإعلاني الذي قاد العديد من الصحف العربية والأجنبية إلى الهاوية، غير مكترثة بهاجس تنامي صناعة النشر الإلكتروني.
المقروئية وحدها كانت زادها في التنافس المحتدم بين الصحف القوية، والهدف كان الاستحواذ على مزيد من القراء ومزيد من الظفر بحصة جيدة من الكعكة الإعلانية التي يسيل لها لعاب أغلب وسائل الإعلام.
جزء من تفرد «الرياض» لم يكن جائزة أفضل صحيفة عربية لعام 2010 التي جنتها أخيرا في ملتقى الإعلاميين الشباب العرب الذي استضافته العاصمة الأردنية عمّان، بقدر ما كان القدرة على الحفاظ على رصيدها التراكمي، وما يعنينا هنا إلى صف التحرير هو جذب المد الإعلاني الذي يحول صفحاتها إلى صفقات تجارية وملتقى الناس ويشترون من خلاله عبر عملية ترويجية تزوجت الصحافة فأحسنت عشرتها.
تستحوذ «الرياض» وبحسب بيانات حديثة على 25% من كعكة سوق الإعلان السعودي الذي لا يخلو من منافسة شرسة، وهو الأمر الذي يثير أسئلة حول صناعة الصحافة ولغز الموازنة في الحفاظ على القارئ والمعلن معاً، لطالما كانت تلك الموازنة سرا لم تكتشفه العديد من الصحف وهو الشأن الذي يجعلها تنجرف وتميل إلى إحدى الكفتين فتفقد بوصلة التوازن .رئيس التحرير تركي السديري ـ الذي يتمتع بحضور لافت في الوسط الإعلامي والثقافي في العالم العربي ـ يؤكد أن جل التحدي يكمن في  كيف تجعل «الرياض» خيار القارئ السعودي الأول  لتكون بطبيعة الحال خيار المعلن الأول. والخبرة وحدها المحرك والوقود والطاقة.
الصحافيون شركاء
السديري الذي يرأس  رئيس جمعية الصحفيين السعوديين  وأيضا يرأس  اتحاد الصحافة الخليجية هو من رؤساء التحرير القليلين الذين يؤمنون بأن الصحافيين هم شركاء وليسوا موظفين يتسلمون أجرهم نهاية كل شهر، لذلك خط خطوة جريئة تشير بجلاء إلى الإيمان بالتوطين وتوفير بيئة عمل تحظى بالأمان الوظيفي والاستقرار الذي تفتقر إليه العديد من المؤسسات الإعلامية خصوصا إبان الأزمة المالية التي ضيقت من فرص بقاء العديد من الصحف في سوق الصحافة، لذلك انتهجت «الرياض» سياسة تمكين العاملين من صحافيين وإداريين للمشاركة في ملكية المؤسسة، من خلال إدخالهم في عضوية الجمعية العمومية للمؤسسة، ومنحهم أسهماً حتى وصلت نسبتهم إلى 50% من أعضاء الجمعية العمومية.
و«الرياض» التي دخلت في سباق تنافس مع الصحف الكبرى في المنطقة العربية حققت قبل تفوقها عليهم نسبة سعودة في التحرير بنسبة 100%، و 98% في الوظائف الإدارية، و96% من الوظائف الإدارية المساعدة، فيما لم تقل  الوظائف التخصصية التقنية والفنية عن نسبة 74%، و78% في الوظائف المهنية والحرفية، حتى وصل إجمالي السعودة في جميع قطاعات المؤسسة إلى نسبة 84% من إجمالي العاملين.
وبحسب مجلة «فوربس» العربية التي أعلنت أخيرا قائمة أقوى 50 صحيفة عربية تواجداً وانتشاراً على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، فقد حصلت النسخة الإلكترونية التي تجذب 300 ألف زائر يوميا على المركز الأول محليا والخامس عربيا، ليكون من أكثر المواقع الصحافية تصفحا بحسب إحصائيات شركة المعلومات الشبكية «اليكسا»، فيما تطبع زهاء  150 ألف نسخة يوميا .بدأت الرياض مشوار الانطلاق في مقر متواضع ومستأجر بحي المرقب بالرياض، أما الطاقم الصحافي الذي كان ينتج ست صفحات يومية لم يكن عدده يتجاوز عشرة صحافيين، طباعة كانت بالرصاص وبلون واحد، أما السعر فلم يزد على أربعة قروش، لكن تلك البداية كانت الطريق المؤدي وصلاً إلى تكامل الحلم, وما زال الحلم يكبر.
حشد الطاقات الشابة
كان لـ«الرياض» السبق في تقديم المرأة السعودية كصحفية وكاتبة ومديرة تحرير ورئيسة للقسم النسائي, فضم القسم النسائي أكبر تجمع صحافي للكوادر النسائية الصحافية على رأس العمل في المملكة العربية السعودية وكانت غالبية الصحافيات من الجامعيات.
فقد عُيّنت الدكتورة خيرية السقاف كأول مدير تحرير نسائي غير متفرغ في جريدة محلية وكتب اسمها ومنصبها على ترويسة الجريدة الرسمية إلى جانب زملائها من مديري التحرير.
وخلال مرحلة الانتقال من مبنى صغير مستأجر، إلى مقر حديث يمتد على مساحة 20 ألف متر مربع واكبت هذه الصحيفة حركة التطور الشاملة في الحياة السعودية خصوصا والعربية عموما، والمشوار لم يخل من إبداع يقوى على إثراء الحركة الفكرية.
يقول السديري: «إن الإعلام هو الوسيلة الأولى القادرة على توجيه مجتمعاتنا العربية نحو التطوير والتوعية وإن هذا الفوز يعطينا تفاؤلا تجاه تطوير الإعلام ليحقق أهدافه»، مشيرا إلى أن الصحافة العربية مسؤولة عن تنمية الوعي وقيادة التنمية لإيجاد وعي شامل يوجه لاتخاذ قرارات سليمة.
ويقول: «من الضروري حشد الطاقات الشابة لمواجهة التحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية (..) إن قضايا مجتمعاتنا العربية تواجه قضايا متعددة وليس من السهل السيطرة عليها، إن أحد أسباب التراجع في المجتمع العربي سوء فهم المسؤولية الاجتماعية من قبل القطاع الخاص»، مشددا على أهمية تعزيز مفهوم هذه المسؤولية. لافتاً إلى أن الخصومات تعيق تقدم المجتمعات وأن الإمكانيات المادية ليست كل شيء حيث هنالك دول استطاعت اللحاق بدول العالم المتقدم كالهند والصين نتيجة امتلاكها إعلاما واعيا لدوره التنموي وليس المال وحده.
ويستدرك قائلا: «هنالك حرية مطلوبة وهنالك حرية مرفوضة كالحرية التي تقود إلى تسلط فئة على فئة أو انتماء معين على حساب آخر.. إن العالم العربي يعاني من أساليب تعيق التنمية فيه سواء من جانب التطرف الديني أو القبلي أو الحزبي الذي بلغ مراحل مخيفة»، مشيرا إلى أن هنالك دولا لو قارنا وضعها الآن بـ30 عاما ماضية لوجدنها كانت أفضل بكثير، وهذا يرجع إلى التطرف وقلة الوعي بخطورة الجهل، مؤكدا أن الصحافة مسؤولة عن إيجاد وعي شامل ينهض بمجتمعاتنا للأفضل لمواكبة الدول المتقدمة.
وفي السياق، يلفت السديري إلى ضرورة الاهتمام بالصحافة الاستقصائية التي لا تجد رواجاً كبيراً في الصحافة العربية، كما يؤكد أنه لم يجر تطبيق أية قواعد ولا يتردد في التعبير عن رأيه بأن هناك ضرورة لوجود بعض السيطرة على الإعلام الإلكتروني، ففي نظره يمكن لأي كان أن ينشر ما يريد عبر الإنترنت ويفلت من العقاب، على عكس الصحافة المطبوعة التي تحتاج إلى وقت للنشر وتلتزم بالقانون والأنظمة.
ويقول: «الحرية ليست في أن تقول أي شيء تريده في الإعلام، الحرية في رأيي هي بث الأخبار التي تفيد المجتمع، فكل الألولوية لنشر الوعي، والدفاع عن الهوية الوطنية والعربية الإسلامية والإنسانية ومقاومة البدع ونبذ الغلو والتطرف والعنف والحفاظ على ثوابت العقيدة، وعلى إبراز حقيقة العروبة والإسلام ودوره في صنع الحضارة»، موضحا أن القارئ في الوقت الراهن وفي ظل الزخم الذي يشهده الإعلام، لم تعد تغريه المعلومة أو الخبر الذي أصبح متاحا من مصادر عدة، بقدر ما أصبح ينجذب نحو المصدر الأكثر سلاسة والأكثر قدرة على إيصال القارئ إلى ما وراء الخبر عبر التحليل الدقيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق